لسنا هنا بحاجة إلى إعادة تقرير المسلمة التي أصبحت بديهية لدى العام والخاص، و التي تشير إلى وجود شروخ و انشطارات هيكلية داخل البنيات الاجتماعية، ووجود تنافر واندحار للفئات الاجتماعية داخل البلدان السائرة في طريق النمو، فمن خلال مقاربة سوسيولوجية بديهية، و ملاحظات أولية تتضح الانعكاسات الإيجابية والسلبية التي أدت إلى بروز ظواهر اجتماعية طفت على السطح من دون أية مقاومة، وطبيعي جدا أن يهب عدد ليس بالهين من المتتبعين للشؤون العامة لهذه البلدان إلى دق ناقوس الخطر، بعد إعلانها عبر وسائل الإعلام، و من جملتها ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو بلدان الشمال المتقدم .
لا أحد يشك في أن واقع البلدان المتخلفة ازداد سوءا بظهور ظواهر اجتماعية تتقدمها ظاهرة الهجرة عموما والسرية خصوصا، أيضا لسنا هنا بحاجة إلى إعطاء مواقف مختلفة إزاء هذا التطور الذي لحق هذه المجتمعات من حيث انصهارها أو عدمه في متطلبات العولمة أو متطلبات اقتصاد السوق في مرحلته الجديدة، فهذا ليس من اختصاصنا وإن كنا نحاول التماس بعض الأفكار في المجال الاقتصادي لمحاولة رصد ثغرات أي نظام اقتصادي أو أي شكل من أشكال النظام الرأسمالي.
في ظل الشروط الدولية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، نمت الكثير من العلاقات بين الدول المتقاربة من الناحية الجغرافية، خاصة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وهكذا برزت إلى الوجود تكتلات أور ومتوسطية، احتوت العديد من البلدان المطلة على البحر جنوبا أو شمالا أو شرقا بما في ذلك إسرائيل التي لم يكن لها وجود دولي من قبل إلا في منتصف القرن الماضي، هذه التكتلات الدولية لم تأت إلا استجابة للعديد من المطالب في إطار المصالح المشتركة، مندرجة ضمن الحوار الحضاري بين شعوب تلك البلدان، في محاولة لإقناع العديد من الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، للانخراط في العديد من الأوراش الاقتصادية والسياسية والثقافية و للإجابة عن العديد من الظواهر الاجتماعية التي استفحلت تباعا، كنتائج لهذه التطورات الرأسمالية (الهجرة السرية، الجريمة المنظمة، المخدرات، الإرهاب الدولي...).
إذا كانت الهجرة بصفة عامة تطرح مشكلات خاصة بها تتعلق أساسا بالاندماج وتمتع المهاجرين بكافة الحقوق وفقا للقوانين المحلية والدولية، فإن الظاهرة الأكثر إثارة للقلق تتعلق بالهجرة غير الشرعية أو السرية.
الهجرة الغير الشرعية هي انتقال فرد أو جماعة من مكان إلى أخر بطرق سرية مخالفة لقانون الهجرة كما هو متعارف عليه دوليا، أما المصطلح المغربي المعروف و المتداول هو "الحريك"، و معناه حرق كل الروابط و الأواصر التي تربط الفرد بجذوره وبهويته على أمل أن يجد هوية جديدة في بلدان الاستقبال، ارويا على وجه التحديد، و تضخيم الكاف دال على إصرار هؤلاء الشباب على الهجرة بأي ثمن ولو على حساب حياتهم وبكل الطرق والوسائل عبر قوارب الموت، شاحنات البضائع، عقود عمل مزورة، الزواج الأبيض، ذهاب سياحة بدون عودة...الخ. فكل هذه الطرق تؤدي إلى هدف واحد، يتمثل في ترك دائرة الفقر و الحرمان ومغادرته بدون رجعة. فثمة قناعة ذاتية أن الهجرة ما هي إلا ترجمة لواقع يشوبه الخلل وإنها ردود فعل يائسة لشباب فقدوا أي إحساس بالمواطنة و الانتماء لوطن لم يمنحهم حسب اعتقادهم الشعور بالاستقرار و الأمان. وشكرا.