"مسخوط الوالدين".. في المفهوم المغربي تعني الشخص العاق.. الذي ضرب عرض الحائط بكل المبادئ والأخلاق .. الذي يسب ويلعن اليوم الذي أنجبه فيه والديه … وقد ينهال عليهما بالضرب غير مراعيا أن هذين الأبوين كانا سببا في مجيئه إلى الحياة.. "فالمسخوط" ينسى في لحظة أن "الجنة تحت أقدام الأمهات".. ويتناسى كذلك أن الله تعالى قال في كتابه العزيز" إخفض لهما جناح الذل من الرحمة".. لكن مع هذا هل يمكن أن ندرج في خانة "مسخوط الوالدين" ذلك الابن الذي يرفض مد يد المساعدة لأبويه بعد الزواج… وذلك الذي يرفض الإقتران بمن اختارتها له أمه .. ويتم تخييره بين "الرضى" و"السخط" إن لم يفعل .. أم هو ذلك الذي يعيش رفقة والديه في بيت واحد وتخيره زوجته العزل عن أمه أو تطليقها..
من خلال هذا التحقيق الذي سندرجه في حلقات سنحاول التعرض لبعض هذه الجوانب.. إذ ستكون لنا لقاءات مع أمهات وآباء وأبناء كل يسرد قصته من وجهة نظره ويعرف "مسخوط الوالدين" كما يراه .. بالإضافة إلى ذلك سنقوم بعرض الموضوع على أساتذة في علم الاجتماع ،النفس والدين للإدلاء بآرائهم فيه حتى نحيطه من كل الجوانب.
بعض الآباء على الرغم من أنهم يكونون ميسورين " وما خاصهم حتى خير " إلا أنهم يحتاجون إلى الشعور أن لهم اهتماما خاصا عند أبنائهم.. يحتاجون من حين لآخر مساعدتهم المادية .. حتى يتمتع أبناءهم بالرضى طوال حياتهم " وما يهزوش دعاوي البلا" إن فكروا في يوم ما منع تلك المساعدة المادية..
تقول أمي "عايدة" قدمت لهما كل شيء وحرموني من كل شيء!!حرموني الشعور بحنانهم.. فبعد أن كبروا ذهب كل واحد إلى بناء حياته بعيدا عني..لا ألوم ابنتي الصغرى التي لم تفكر يوما بمساعدتي ماديا ..لأن زوجها يبقى غريبا عني.. فهي تفعل كل ما تقدر عليه.. حينما أريد الذهاب إلى المستشفى.. تترك بيتها وتذهب معي على الرغم من أن زوجها في كثير من المرات يتذمر من تركها لأبنائها لوحدهم..
لكني أؤاخذ ابني البكر والأوسط الذي يوجد في الديار الفرنسية.. الذي تنكر لي.. فهو يأتي لزيارتي كما لو كان ضيفا .. ولا يكلف نفسه مساعدتي ماديا بالرغم من أني أدري "أنه ما خاصوا حتى خير"..
أما ابني البكر فهو الآخر دائم الشكوى من أن حاجيات زوجته وأبنائه تكثر يوما بعد يوم ولا يبقى له من راتبه الشهري إلا النزر القليل الذي يكفيه بقية الشهر.. فأنا لا أعترض على ما ابتلاني به الله، فهو امتحان لي وأنا على قيد الحياة..فأنا مصابة منذ سنتين بداء القصور الكلوي مما استدعى .
مني إجراء عملية تغيير الدم كل أسبوع..
عندما اكتشف دائي لم أكن أحتاج لمساعدة أحد من أبنائي.. فلله الحمد لي إرث.. لكن المال ينفذ حتى لو كان لك منه جبل.. فخلال كل أسبوع مطلوب مني إجراء عملية تغيير الدم بمقابل 1000 درهم..
عندما أجلس مع نفسي أقول: إني في حاجة إلى أن أحس أن أبنائي يهتمون بي..وأن أشعر أنهم يودون مساعدتي وتكبد العناء من أجلي.. يبذلون الغالي والنفيس من أجل إرضائي..فأنا اليوم بينهم ولا يعلمون ماذا سيأتي به الغد..
أما "أمي الحاجة" فهي تقول "بعدما ربيتو وخسرت عليه دم جوفي.. ومسك عليه الله نساني .. بالحق ماشي منو" .. تعود "أمي الحاجة" لتسرد قصتها منذ بدايتها.. لقد كنت له الأب والأم في الآن نفسه بعدما توفي والده وتركه "لحمة حمرة" ومنذ ذلك الحين وأنا أفعل المستحيل من أجل تربيته أحسن تربية..
كبر ابني وكنت أتمنى من كل قلبي أنه سيبر بي .. لكن ما حدث كان غير متوقع..فبمجرد ما تزوج اختار العيش وحده.. لم يعد كما كان في السابق.. إذ بمجرد إنجابه لابنه الأول امتنع عن مدي بالمبلغ الذي كان يعطيه لي شهريا..استفسرت عن سبب عدم استمراره في منحه لي: فقال لي لقد أصبحت لي مسؤوليات أكبر..حينها شعرت بالغبن وقلت في نفسي كيف يعقل هذا.. بعدما وصل إلى هذا المستوى وصار محاميا يتباهى بنفسه أمام أقرانه.. أن يمتنع عن مساعدتي ماديا .. فهل ربيته وجعلته رجلا لكي يتركني بهذه السهولة؟ من دون أن يحسسني أني منه ولي حقوق عليه أهكذا يكون الجزاء والاعتراف بالجميل ..
عبد الله طبيب اختصاصي في أمراض الجهاز التنفسي يقول: لا يمكنني أن أتصور أن يأتي علي يوم وأمتنع عن مساعدتي لأبوي فبالرغم من أن لأبي معاشا.. إلا أني ألفت منذ أن ولجت عالم الطب واشتغلت وأنا أساعده.. أمنحه بعض المال.. وكم أكون سعيدا عندما أعطيه المبلغ خلال كل نهاية شهر . إذ ألمح الفرح في عينيه.. فبمجرد ما يمد يده ليأخذ المبلغ يتبعها بكلمة " الله يرضي عليك"..
أما سعيد فهو يقول: لم أكن أتصور أن تقوم زوجتي بعد هذه السنين وتطلب مني طلبا غريبا.. فمنذ أن قررت الزواج بها أخبرتها الحقيقة .. لقد قلت لها إني المعيل الوحيد لأمي وأختي وأخي الصغيرين.. وإني سأظل أساعدهم ما دامت أمي على قيد الحياة وماداموا يحتاجون إلي.. وافقت على هذا الأمر ولم تعترض على أي شيء .. تزوجت بها.. وكان "أسعد" ثمرة هذا الزواج .. ولدرء المشاكل اخترت أن أكتري لأمي بيتا يتكون من غرفتين .. وصرت أزورها كل أسبوع.. لقضاء كل حاجياتها .. وخلال نهاية كل شهر كنت آتي لتأدية أجرة الكراء لصاحب البيت ..
استمر الحال على ما عليه نحو العامين .. ولم تكن هناك أية مشاكل ..
لكن المشكلة..التي صارت تؤرقني خلال الآونة الأخيرة.. والتي استدعت مني مراجعة أوراق حياتي أن زوجتي للأسف صارت تعترض على ما أقوم به اتجاه أمي وإخواني..تقول لي خلال كل نهاية شهر إني غير ملزم بتغطية مصاريف أمي .. إذ كانت تقترح أن يتخلى أخي عن دراسته ويدخل إلى ميدان العمل . لكن هذا ما لم أكن أوافق عليه.
وفي انتظار جوابكم.
وشكرا.