الدعارة ظاهرة عالمية، عرفتها كل المجتمعات والشعوب الإنسانية، وظلت تمارسها في مختلف العصور والأزمان، ولتنافيها مع كل الأخلاق والقيم الإنسانية، ولأضرارها الجسدية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد حرمها الإسلام، بل قطع كل السبل وجفف كل المنابع التي تؤدي إلى احترافها أو تعاطيها.
كما ظهرت عبر مر التاريخ أصوات تنادي إلى القضاء على هذا الفيروس الناخر لجسد الأمة، هذه الأصوات تبلورت في شكل جمعيات وقفت على حقيقة هذه الظاهرة فدعت إلى محاربتها، ومحاربة أباطرتها المستغلين للظروف الاجتماعية والاقتصادية للأفراد للزج بهم في سلك الدعارة، ولتحقيق أرباح بطرق غير مشروعة ...متحللين من كل قيمة أو خلق أو انتماء حضاري.
والمغرب ككل البلدان شهد ميلاد جمعيات عديدة، اهتمت بتطهير المجتمع من كل أشكال الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية التي تهدد بناء وسلامة المجتمع، ولمعرفة كيفية تعاطي هذه الجمعيات، وكذا بعض الوجوه النسائية المعروفة في مجال الدفاع عن المرأة وحقوقها مع ظاهرة الدعارة،
مجتمعنا المغربي لم يسلم من انتشار هذه الظاهرة اللاأخلاقية ... وبالنظر إلى أسباب استفحالها داخل المجتمع المغربي، نجد أنها أسباب سوسيو اقتصادية بالدرجة الأولى، فالفقر والبطالة والتهميش والأمية، خاصة في العالم القروي، تعمل على قيام هجرة للمدن كمصدر للرزق، ولا يفوتني الحديث عن العولمة وحرية الاقتصاد وأثرهما السيء على الحياة الاجتماعية للمواطن، وعلى سوق الشغل، عولمة عملت على زيادة غنى الأغنياء، وبالمقابل الزيادة في تفقير الفقراء، فعلى مستوى سوق الشغل أغلق العدد الكبير من مؤسسات القطاع الخاص، وتم طرد العديد من العاملات والعمال وتشريدهم، وأوصدت أبواب الرزق أمامهم، حتى أن عددا من النساء أرغمن على تعاطي الدعارة لإعالة أسرهن، بحيث يصبح المبرر (عاملا اقتصاديا)، ومصدرا للعيش. والأخطر في الأمر أن الدعارة انتشرت بشكل مخيف بين أطفال الشوارع الذين يرغمون على قبول الاغتصاب، والتعاطي للدعارة مقابل توفير الحماية لهم من طرف جماعات تحكم الشوارع من أجل الحصول على المال، و من أجل الحصول على المخدرات والخمور التي أصبحوا يدمنون عليها، وتسبب انتشار ظاهرة الدعارة في الانحدار الأخلاقي المستمر داخل المجتمع،
وتجاهل المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية والدينية، بالإضافة إلى انتشار أمراض جنسية معدية، كمرض السيدا وغيره، وللقضاء على هذه الظاهرة لابد من سن استراتيجية عملية وذلك بالتأسيس لسياسة اجتماعية من أولى أولوياتها محاربة الفقر والبطالة، وإعادة النظر في السياسة التعليمية، والأخذ بعين الاعتبار القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية التي يدعو إليها الدين الإسلامي، وبتطبيق العقيدة الإسلامية والحفاظ على الهوية المغربية، ونحن في الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، نؤمن بأن الفقر من الأسباب الرئيسية لاستفحال الدعارة ونربط الأمر بسوق الشغل، ولذا فإننا نناضل باستمرار من أجل إحقاق حقوق العمال والعاملات انطلاقا من مرجعيتنا المذهبية المبنية على شراكة حقيقية بين المال والعمل من أجل تحقيق تكافل اجتماعي، ونعمل من أجل تطبيق الاتفاقات الدولية التي تنص على احترام حقوق الإنسان، خاصة حق المرأة في الشغل، وأيضا من أجل القضاء على التحرش الجنسي.
وللقضاء بجدية على الدعارة لابد من تجنيد كل الطاقات الفاعلة من حكومة وأرباب عمل، ونقابات وفعاليات المجتمع المدني للحيلولة دون الزيادة من انتشارها، ولإيجاد حلول عملية استراتيجية وواقعية تتضمن الحق الأدنى من العيش الكريم للمواطنين رجالا ونساءا وأطفالا. وتجنيد وسائل الإعلام لمحاربة الظاهرة، وذلك بحملة للتوعية ضد هذا السرطان الذي ينخر المجتمع المغربي.
في نظركم من المسؤول.