كلنا يسمع ويقرأ بأن بعض الجهات المعنية قد قامت بالتفتيش والتحقيق مع بعض العاملين في مؤسسات القطاع العام الفاسدين وأنه تم إحالتهم إلى القضاء لينالوا العقاب الذي يستحقونه وبالتأكيد أن هذا الأمر يلقى إستحساناً وراحة لدى جميع المواطنين ، لأن مكافحة الفساد هم كبير في وطننا ومكافحته واجب على الجميع ، المواطن قبل المسؤول ، وهو من أولويات قائد الوطن ومن هنا فنحن نتوجه بالشكر إلى هذه الجهات المعنية الرقابية على جهودهم المبذولة في ذلك ولكننا نحب أن نذكر بأن من يعمل يخطىء وبأن مكافحة الفساد هو سلاح ذو حدين ويجب أن يمسك من الوسط
فإن فتح الباب على مصراعيه بالتحقيق مع موظفي القطاع العام حول موضوع إداري أو مالي بناء على معلومة وصلت إلى الجهات الرقابية من أحد الأشخاص ( الذي قد يكون مغرضا أو جاهلاً أو فاسدا يود إبعاد الشرفاء عن طريقه ) سيكون له انعكاسات سلبية كثيرة على هؤلاء الموظفين وعلى المؤسسات التي يعملون لديها ، فالشعور بالأمان من أهم الخصائص التي يجب أن يتمتع بها العامل لكي يعطي في عمله وهذا الأمر نلحظه في روح قوانينا ويعد غاية في تشريعنا وأجمل مايشتهر به بلد نا الأمن والآمان ومجرد شعور العامل بأنه عرضة للمساءلة في أي وقت وتحت أي ظرف ، سيجعل هذا العامل سلبي في عمله البيروقراطي في تطبيق أنظمته وقوانينه ، قليل المبادرة ، مسلوب الإدارة ، غير قادر على إتخاذ أبسط القرارات التي هي من صلب إختصاصه الوظيفي لكي لايتحمل مسؤليتها مما يجعله يرفعها إلى المرجع الأعلى منه ، مما يعرقل سير العمل ومصالح المواطنين وهذا طبعا ليس المطلوب في علم الإدارة الحديثة .
فلا يخفى عن أذهاننا أن تحول سلوك الموظف إلى الحالة التي ذكرناها نكون قد هزمنا الفساد الاقتصادي ودخلنا في الفساد الإداري الذي يعد أشد وطأة من الذي قبله كونه إذا توطأ في النفوس وتكرس الخوف في داخل العامل من الوقوع في الخطأ أو الإتهام به سيكون من الصعب إصلاحه .
وللأسف بدأنا نجد في بعض موظفينا اليوم صورة عما ذكرناه ، سلبين ، متمسكين بحرفية القوانين بعيدين عن روحها وأسباب وجودها متذرعين بالخوف من الشبهة بهم .
مع وجود فئة أخرى منهم وهي فئة شريفة معروفة بالنزاهة ولكنها آثرت على نفسها السلبية والإبتعاد عن أي نشاط وظيفي يتناسب ومقدرتهم وكفاءتهم العلمية هاربين من المسؤولية يبحثون عن أنفسهم عن زاوية مظلمة يلوذون بها من مغبة السؤال والجواب ، وبالتالي يتاح الطريق تماماً للعمال الفاسدين لأن تكون لهم فرصة في إستلام مراكز العمل الحساسة والسلب والنهب من خلالها وبرأيه إن فضح أمره فقد إستحق ما إقترفت يداه وإن نفذ ولم يفضح فقد نال مراده وفاز فورا عظيما . ويتحقق لهؤلاء ذلك عندما يجد المدير نفسه مضطرا لوضع أمثالهم لرفض الباقين العمل .
وإنني لاأعني بما أوردته بأنه يجب على الجهات المعنية الابتعاد عن أداء واجبها ومتابعة الفاسدين والمفسدين بل أشد على أيديهم تماما ، ولكن معالجة المرض يجب أن تكون خلال ألية متوازنة علمية ومهنية ولايتحقق ذلك إلا من خلال التعاون المباشر مع المؤسسات الرقابية التي شكلت لهذه الغاية كون العاملين بها هم أشخاص مهنيين بإمتياز ، ملمين تماما بالقوانين والأنظمة المرعية والتعاميم والبلاغات الوزارية من ذوي الخبرة والإختصاص وبالتالي لايتم التحقيق مع أي موظف إلا بعد تدقيق هذه الجهات الرقابية المختصة بالوثائق وتبيان مواطن الخلل في العمل ليصار بعدها إلى تنظيم الضبوط الخاصة بذلك وإحالة الأمر إلى القضاء المختص
وإن العمل بهذه الطريقة سيؤدي حتما إلى تجنب الوقوع في الخطأ وسيساعد المؤسسة القضائية في تقصي الحقيقة ومحاسبة المذنب دون البريء .
ولاننسى أن نشير بأن من يعمل يخطىء وإن التسامح بمحاسبة الموظف النزيه على الخطأ غير المقصود . والاكتفاء بتنبيهه فقط يعد ذلك حافزا له ولغيره بأن يتفانى في عمله وإخلاصه له لأنه يعرف بأن هناك من لاينسى جهده ويقدر أمانته وغيرته على عمله ووطنه .
راجيا من الله أن أكون قد أصبت كبد الحقيقة في ذلك ، وأن نتخلص من الفاسدين الإداري والإقتصادي .
وشكرا.