مما لا شك فيه أن القدوة عنصر مؤثر من عناصر التربية والتوجيه، حيث أنها أكثر الوسائل والقنوات التربوية تأثيراً، لأنها تكون عن اقتناع، وعن إعجاب، وعن حب، فالتأثر بها أكثر من التأثر بالتلقين المجرد، لأن التلقين المجرد قد لا يكون معه اقتناع داخلي، ولكن القدوة لا تكون إلا مع الاقتناع التام، ولهذا فإنها أشد إمضاءاً من التلقين، وأكثر أثراً، وأبقى في النفس، وأدعى إلى توجيه سلوك هذا المقتدي.
وعادة ما يمثل شخص المقتدَى به قدراً من المثالية والرقي والسمو عند أتباعه ومحبيه, والقدوة تنطوي في داخلها على نوع من الحب والإعجاب الذي يجعل المقتدِي يحاول أن يطبق كل ما يستطيع من أقوال وأفعال. ولا يمكن بحال أن يكون الاقتداء إلغاءً أو مصادرة للرأي والإرادة، أو ممارسة لضغط ما, أو قسر المقتدي على أمر معين؛ لأن الاقتداء منطلق من قناعة صاحبه؛ فهو جزء من إرادته وكيانه. وهناك نوع ثان من القدوة دون ذلك، فيُقتَدى به في جانب دون آخر, كالصحابة رضي الله عنهم والتابعين, والأئمة كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم, فهؤلاء قدوة، لكنها ليست مطلقة كالنبي صلى الله عليه وسلم. وثمة نوع ثالث من القدوة, وهو القدوة الواقعية الحيّة, ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه القدوة الواقعية مثالية كاملة من كل ناحية، فقد تجد في الحياة من يمكن أن يُقتدى به في إنجاز معين, أو تطور, أو خبرة, أو صفة من الصفات, ولو كان مخفقاً في صفة أخرى. فلا يلزم أن يكون أنموذجاً ومثالاً كاملاً راقياً في كل جانب لكي يُقتدى به , بل يكفي أن يكون قدوة واقعية في بعض الجوانب. والإنسان محتاج إلى شخصية يعجب بها ويقتدي بأفعالها وسلوكها, إما في جزء من حياته، أو في حياته كلها. ولا يكاد يخلو كتاب في التربية من إيراد القدوة كإحدى الوسائل المهمة لفعاليتها، ففي دراسة أجريت على 446 شاباً و 94 فتاةً تبين أن 75% يرون أن وجود القدوة مهم جداً. ومما يدل على أهميتها وجود تلك الغريزة الفطرية الملحة في كيان الإنسان التي تدفعه نحو التقليد والمحاكاة، وخاصة الأطفال، فهم أكثر تأثراً بالقدوة إذ يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيحاً. وقد ورد في موسوعة العناية بالطفل: أن الطفل يبدأ في سن الثالثة يدرك بوضوح أكثر أنه من الذكور، وأنه سيصبح يوماً ما رجلاً كأبيه، وهذا ما يحمله على الشعور بإعجاب خاص بأبيه وبغيره من الرجال والصبيان، إنه يراقبهم بدقة ويسعى جاهداً للتشبه بهم في مظهره وسلوكه ورغباته. وإن صاحب العلم (الشيخ - المعلم) ذو مكانة كبيرة في الناس، ومن هذا شأنه فهو حري أن يؤخذ منه ويُهتدى بهديه وكيف تكون قدوة صالحة بلا علم. يقول الشاعر: تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو جهل كمن هو عالم وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليـه المحافـل وللعلم تأثير على اكتساب المعالي من الصفات، وفي تهذيب الأخلاق، ولا تجد أحداً رزق الإخلاص والعلم إلا تجده كريم الخصال عظيم الفعال محمود السيرة مرضي الخليقة. والعلم بلا عمل كما قيل: والعلم ليس بنافع أربابه مالم يفد عملاً وحسن تبصر وتكمن أهمية القدوة في العملية التربوية .
وشكرا.